الباقيات الصالحات وبناء إنسان الحضارة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الباقيات الصالحات وبناء إنسان الحضارة
ورد الحث على الذكر فى كتاب الله وسنة النبى، صلى الله عليه وسلم، فمن القرآن قوله تعالى: «فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون» (البقرة: 152)، ويقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نصيحة عامة: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله». (رواه أحمد والترمذى وابن ماجة)، وكان شأن المسلمين فى الذكر الاهتمام بما سموه بـ«الباقيات الصالحات» وهى كلمات علمها لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لنواجه بها الحياة كلها وهى «سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله» (وهذه الخمسة سموها الباقيات الصالحات)، هذه الكلمات الخمس جزء من حضارة الإسلام، يُبنى عليها الإنسان المسلم وتكون أساس عقيدته وهويته، فلكل منها فائدة ودور فى بناء فكره ومنهجه الحضارى.
فنواجه بـ«سبحان الله» كل عجيب، فالدنيا مليئة بالعجائب، منها عجائب ناجمة عن قدرة الله فى الكون، أو فى أفعال العباد، وهى كلمة نقولها ننزه الله بها عن كل نقص ونصفه بكل كمال مطلق، كل هذا فى كلمة واحدة فى أوائل أوقاتنا وأواخرها قال تعالى: «فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون» (الروم: 17) وكذلك بعد الانتهاء من أفضل العبادات وهى الصلاة، فشرع لنا نبينا، صلى الله عليه وسلم، أن ننزه الله سبحانه ونقول: «سبحان الله» ثلاثاً وثلاثين مرة، فـ«سبحان الله» أحد مكونات الذكر الجامع الذى استنبطه أهل الله من أحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
«الحمد لله»: وهى تعنى الثناء على الله لكمال صفاته وعلو شأنه سبحانه وتعالى، فهى تعبر عن شكر الله على نعمته، وتعبر كذلك عن الثناء على الله لغير نعمة، بل لجميل صفاته، فيحمد الله على عظمته وجلاله كما يحمد على إحسانه وإكرامه قال تعالى: «وله الحمدُ فى السمواتِ والأرض وعشياً وحين تُظهرون» (الروم: 18).
والكلمة الثالثة هى «لا إله إلا الله» وهذه الكلمة تعد الميثاق بينك وبين الله، وبها دخلت دين الله عز وجل، وهى تعنى أنه لا يستحق أن يعبد إلا الله سبحانه وتعالى، فلا حق لأحد فى الخلق مهما عظم أن يُعبد، ويُتوجه إليه، وفى الحقيقة بقولك هذه الكلمة تدخل الإسلام، وبترديدها ينجلى قلب المؤمن ويزداد إيماناً.
وهذه الكلمة تعنى أن نعبد الله لأنه ليس لنا إله غيره سبحانه، وبهذا أرسل الله جميع الرسل قال تعالى: «وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون» (الأنبياء: 25)، وهى أفضل كلمة قالها أنبياء الله جميعهم عليهم السلام بمن فيهم نبينا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له» (مالك فى الموطأ، والترمذى فى سننه) وهى كلمة تشتمل على أمرين، الأمر الأول: ألا نتوجه بالعبادة والقصد لغير الله، والأمر الثانى: أن نتوجه بالعبادة والقصد لله ولا نقف على المعنى السلبى فحسب، فإن تركك عبادة غير الله لا يكفى، بل ينبغى أن تعبد الله فعلاً بإقامة الفروض والمحافظة عليها، وكذا فعل المندوبات وهذا هو الجانب الإيجابى فى التوحيد، وهو عبادة الله عز وجل.
أما الكلمة الرابعة فهى «الله أكبر»، ويستفاد من هذه الكلمة أنه ينبغى أن يكون الله هو أكبر شىء فى حياة الإنسان، وأن القضية الأولى لديه هى «رضا الله» فالله، ورضاه أكبر من أى شىء، ولذلك يفتتح الإنسان بها صلاته مذكّراً نفسه بأنه لا ينبغى أن يشغله شىء عن ذكر الله، فإن الله أكبر من أى شىء يشغله، ويجدد العهد فى الصلاة كلما انتقل من ركن إلى ركن داخل الصلاة دائماً يقول لنفسه: الله أكبر، من الدنيا وما فيها، فلا ينبغى أن ينشغل بالأصغر عن الأكبر.
والكلمة الخامسة هى «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وتعنى أنه لا يحول ولا يمنع بينك وبين كل ضر إلا الله، كما أنه لا تصلك ولا يصل أحداً خير إلا بقوة الله، فبقوة الله وحده تحدث الأشياء، وبحول الله وحده تمتنع الأشياء عن الحدوث، لأنه فى الحقيقة لا حول ولا قوة لأحد فى هذا الكون إلا بالله سبحانه وتعالى، وهذه الكلمة لما فيها من حقائق عالية ومعان غالية كانت كنزاً من كنوز الجنة.
وتلك الكلمات الخمس من الكلمات العشر هى التى قال عنها العلماء «الباقيات الصالحات» والتى ذكرها الله فى كتابه حيث قال: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً» (الكهف: 46)، وقال سبحانه: «ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير مردّا» (مريم: 76)، وقال النبى، صلى الله عليه وسلم: «استكثروا من الباقيات الصالحات. قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: الملة. قيل: وما هى؟ قال: التكبير، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، ولا حول ولا قوة إلا بالله» (أخرجه الحاكم فى المستدرك).
هذه هى الباقيات الصالحات التى ينبغى للمسلم أن يذكر الله بها دائماً، وتخالط معانيها قلبه، ويواجه بها دنياه، ويتعامل بها مع من حوله، كما ينبغى أن تظهر فى سلوكه حتى تكون منهج حياة يظهر حقيقة الإسلام والمسلمين، ويعود للإسلام مجده الحضارى والأخلاقى.
*************
منقول للامانه